لقد أصبح من الضروري وجود الأخصائية النفسية في مدارسنا حتى بات هذا أمراً ملحا ويحتاج إلى نظر وذلك لكثير من المشكلات التربوية التي تصدر من الطلاب والطالبات فلو فتشنا عن عمق المشكلة لوجدنا أنها تتلخص في الحالة النفسية والإجتماعية العامة والظروف المعقدة المحيطة ببيئة الطالب والذي قد لا يجد المكان الآمن الذي يذهب إليه أو الذراع القوي الذي يستند عليه أو القلب الكبير والعقل الواعي الذي يستوعبه ويتفهم مشكلاته وسلوكياته المرحلية.
فإذا كان البيت مثلا لا يستوعب معاناة هذا الطالب الذاتية ونوازعه ورغباته الملحة، وما يمكن أن يمر به من فترة مراهقة حرجة تدفعه لتحقيق الذات وإبراز شخصيته وتحقيق أحلامه وطموحاته، ومحاولة إخراجها للآخر، يجابه بالرفض والتشدد اللا واعي والقمع والتأنيب والتعجيز فيشعر بالكبت والألم العميق من مجتمعه المحيط به، فالطالب بلا شعور شخصي قد يتمرد مثلا على اللاشعور الجمعي في المجتمع الوسطي في محيطه الذي ينتمي اليه محاولاً أن يحقق ذاته، أن يعبر عن وجوده وفق تصوره ومنظوره الخاص، كونه مهضوماً وغير مفهوم، ومحروماً من أشياء وحاجات كثيرة، وفي هذه المرحلة مرحلة الشباب والمراهقة يكون الطالب فردا مليئاً بالطاقة والحيوية والقوة والإندفاع العاطفي غير الممنطق، يعتمد كثيراً في حوائجه على الآخرين، ولعلهم الأقربون مثلاً وإذا انعدم وجود هذا الأهم وهذه الثقة لجأ إلى التعبير عن وجوده الأقوى إما بالإنطواء أو التمرد والعناد على أنظمة معينة تقف عائقاً أمامه, رغم أنها أنظمة تهذيبية تعويدية على احترام الذات من خلال احترام الآخر ولعل أول من يصطدم به الطالب في المجتمع هي المدرسة كونها الدار التي تعتبر مؤسسة تربوية تعليمية تهذيبية هامة في حياة الطالب والتي قامت أساساً من أجل النهوض والإرتقاء بالمستوى التعليمي والفكري والديني والثقافي لأبناء وبنات الأمة الذين هم عماد الأمة والقاعدة الأساس لحضارة ورقي الأمة والمجتمع,
فالمدرسة هي المحيط الذي يكتسب منه الطالب كل الخبرات والمعارف والمهارات الأساسية للنمو العقلي والنفسي والوجداني، فإذا شعر الطالب في لحظة يأس بقصور أسري تجاهه استعان بالبديل اللاشعوري في جذب الإنتباه, وإذا ما اصطدمت المدرسة مثلا بطالب متمرد فهي تحاول دائماً استيعابه وتفهم مشكلاته النفسية والإجتماعية وحلها وإيجاد جو متوازن وصحي وحواري يجعل من الطالب يشعر بنوع من التعويض النفسي الذي يحاول أن يبديه,
أما العناد والتمرد فهما محصلة فسيولوجية لنوازع قصور كبتي نفسي يمر بها المراهق في محيطه الشخصي المباشر فينزع إلى تفريغ شحنات من التمرد رافضة لكل الأوامر والنواهي والنظم التي يرى أنها مكملة لسلسلة الكبت والقسوة الظاهرة في مفهومه الذاتي الخاص، وأفقه المحدود,
ولربما يكون واقعاً تحت تأثير ضغوطات أسرية واجتماعية سيئة لا يجد فيها أو منها أماناً عاطفياً وشعورا انتمائياً فيلجأ إلى هذا النوع من العناد والتمرد كرد فعل لا شعوري تنفيسي, فإذا تعرفنا على دوافع الطالب وحاجاته ورغباته الأساسية استطعنا أن نفسر سلوكه، وإذا استطعنا أن نفسر سلوكه استطعنا أن نتعرف على ما يجب حيال هذا السلوك وتوجيهه الوجهة الصحيحة والحسنة وبالتالي نستطيع ان نتغلب على كثير من المشكلات التي تواجه الطلاب سواء نفسية أو اجتماعية أو أسرية أو تربوية ومن هذا الإطار يجب أن نتعامل مع الطالب المشكل ودراسة الحالة من كافة الجوانب, فلذلك أرى أن وجود الأخصائي النفسي والأخصائية النفسية المتخصص طبياً في مدارسنا بات أمرا ملحا في هذا الزمن الصعب الذي أصبحت فيه كل الأمور مختلطة وتشكل خطراً على مفاهيم بناتنا وأبنائنا الطلبة بكل معطياته الحضارية والذي أصبح من الضروري تحصين بناتنا وأبنائنا ضد كل ماهو مخالف لديننا وعقيدتنا وأخلاقنا ومعتقداتنا,
ان نفسية الطالب أمانة في أيدينا تستحق منا رعايتها واحتضانها وحل كل الاشكالات التي قد تعترض مستقبلها، وتنويرها بما هو واجب ومفروض بأسلوب نفسي صادق ينزل إلى مستوى النفوس محاولاً فهمها ودعمها واعلاءها بالإيمان