أحكي لكم حكاية تلك الفتاة التي بحثت عن الحريّة، فوجدت نفسها في سجن قضبانه الدنيا.. هي التي بدأت، وهي التي تمنت، وهي التي غامرت، وهي التي انتهت نهاية مؤلمة موجعة، وهي التي اختارت حبّها، وهي التي كانت تظن أنها تملك قلبها، عرفتها من بعيد، مع أنها ابنة حومتي، ولم أكلمها إلاّ قبل وفاتها بشهور.
في حوتنا الفقيرة لا أحد يؤمن بالاختيار، وكانت هي جريئة، فتركت لقلبها الحرية، ومثل شلالات "النياڤارا" كانت حرة، ومثل العصافير في جوها، والأسماك في بحرها، انطلقت وأحبت ابن حومتها، في زمن لا أحد يؤمن بالحب مهما كان. الزمن كان صيفا، وكانت هي مارة بمحل بيع أشرطة الكاسيت، وقفت تنظر إلى الواجهة، أشرطة جديدة لنجوم الأغنية العربية، ونجوم الأغنية الجزائريّة، شرقي وغربي وراي، لكنّها كانت مغرمة بنجم أمريكي يدعى"توباك"، ولم تأت هنا إلاّ حبا في الإطلاع. وقبل أن تترك المحل، سمعت أغنية منبعثة من الداخل، عادت لتتأكد، أغنية جميلة لتوباك، أحبتها منذ حبّها للموسيقى. عادت.. نظرت إلى الداخل، رأت شابا يطلب أشرطة لتوباك.. دخلت، اندهشت للكم الهائل من أشرطة دالك المغنّي المتمرد الراحل فوق الكونتوار، وابتسمت قائلة: عل تحبّه لهذا الدرجة؟ فالتفت الشاب وأجابها: وأكثر من هذه الدرجة، وتلاقت نظراتهما وابتساماتهما.. وولد ساعتها شيء اسمه الحبّ، لكنه في الواقع لم يكن حبا. تعارفا في الطريق، وفي نفس اليوم تناقلت الحومة خبر اللقاء بين ابنة وابن الحومة، وصار اللقاء إدمانا، وكبرت الحكاية، حتى قالوا إنها ذهبت معه إلى شقته، وفي الواقع لم يحدث ذلك، إنه خيال الناس الواسع؟!.بعد شهر رأينا والدها يجري مثل المجنون بحثا عنها، وهي يردّد اسمها، ولم نفهم في البداية لكن فيما بعد عرفنا أنّ الفتاة هربت مع دالك الشّاب لتكوين فرقة موسيقيّو منّاها بالأحلام وأخذها معه إلى وهران حيث اشتغلت في ملهى من الملاهي وعندما عارضت غناء الراي قال لها سوف تشتهرين ثمّ، بعد ذالك سوف تغنّين ما تريدنه، وسوف نسافر معا إلى أمريكا، وهناك تصبحين نجمة "راب"، كما كنت تتمنين.. ومرت سنتان وصارت نجمة راي لكن والدها أصيب بالجنون وأمها مرضت، وإخوتها فضحوا وصارت سجينة اللّيل ونائمة النهار، وفي الزمنين ميتة، وليست على قيد الحياة. وأخيرا عادت إلى رشدها، فمع أنّ الشّاب تزوجها، إلا أنه لم يرد الإنجاب منها، وكانت نيته أن تلد له بيضا ذهبيا فقط، ولا هي صارت نجمة، ولا سافرت إلى أمريكا، كرهت نفسها، وكرهت الملاهي، وهربت ذات ليلة من ذالك الوحش، وعادت ليلا محطّمة، والتقيتها وحيدة في الليل فخفت عليها من ذئاب لا ترحم، فأخذتها لتقضي اللّيلة عند والدتي، فحكت لها ما حدث لها منذ البداية، وعادت إلى والدتها التي عانقتها، وسقطت مشلولة، لم يعرف شقيقها ما كان يجب أن يفعله، لكنّه خيّرها بين العودة إلى المياه الآسنة، وبين البقاء في البيت بدون أن ترى نور الشمس، وقبلت بكلّ شيء، وصارت لا تخرج من البيت، تتلو القرآن في الليل والنهار لكي يجدوها ذات صباح ميتة وقد كتبت رسالة فيها كلمة واحدة": سامحوني".