دخل شاعر على رجل بخيل فامتقع وجه البخيل وظهر عليه القلق والاضطراب، ووضع في نفسه إن أكل الشاعر من طعامه فإنه سيهجوه.. غير أن الشاعر انتبه إلى ما أصاب الرجل فترفق بحاله ولم يطعم من طعامه..
ومضى عنه وهو يقول:
تغير إذ دخلت عليه حتى .. فطنت .. فقلت في عرض المقال
عليَّ اليوم نذر من صيام .. فاشرق وجهه مثل الهلال
ومن الأشعار الجميلة التي قيلت في ذم البخلاء الصائمين قول الشاعر :
أتيت عمرًا سحرًا .. فقال : إني صائمٌ
فقلت : إني قاعدٌ .. فقال : إني قائمٌ
فقلت : آتيك غدًا .. فقال : صومي دائمٌ
ومن ذلك ما قال أبو نواس يهجو الفضل قائلا :
رأيت الفضل مكتئبًا .. يناغي الخبز والسمكا
فأسبل دمعة لما .. رآني قادمًا وبكى
فلما أن حلفت له .. .. بأني صائم ضحكا
مع السلف في حفظ الوقت
* قيل لـ"عمر بن عبدالعزيز" يوماً: - "أخّر هذا العمل إلى الغد"، فقال: "ويحكم؛ إنه يعجزني عمل يوم واحد، فكيف أصنع إذا اجتمع على عمل يومين؟" ومن أقواله: "إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما".
* قال داود الطائي: "إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدّم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل؛ فإن انقطاع السفر عن قريب هو، والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك".
وقال أحد الصالحين لتلاميذه : " إذا خرجتم من المسجد فتفرّقوا لتقرؤوا القرآن، وتسبّحوا الله، فإنكم إذا اجتمعتم في الطريق، تكلمتم وضاعت أوقاتكم " .
وعن موسى بن إسماعيل قال : " كان حماد بن سلمة مشغولا وقته كله، إما أن يحدث أو يقرأ، أو يسبّح أو يصلي، قد قسم النهار على ذلك " .
ذكر علماء التراجم في سيرة الجنيد بن محمد، أنه حين أتته سكرات الموت، أخذ يقرأ القرآن، فأتى الناس - قرابته وجيرانه - يحدّثونه وهو في مرض الموت، فسكت وما حدثهم، واستمر في قراءته، فقال له ابنه: "يا أبتاه! أفي هذه الساعة تقرأ القرآن؟!". فقال: "ومن أحوج الناس مني بالعمل الصالح؟، فأخذ يقرأ ويقرأ حتى قُبضت روحه " .
كان معروف الكرخي يعتمر، فأتى من يقص شارب معروف الكرخي، فحلق رأسه، ثم قال للقصاص: "خذ من شاربي"، فأخذ معروف يسبّح الله، فقال له القصاص: "أنا أقص شفتك، اسكت"، قال: "أنت تعمل، وأنا أعمل"، وذكروا عنه أنه ما رئي إلا متمتماً بذكر الله، ويقولون: كان إذا نام عند أهله سبّح، فلا يستطيعون النوم .
وعن ابن عساكر قال : " كان الإمام سليم بن أيوب لا يدع وقتا يمضي بغير فائدة، إما ينسخ أو يدرس أو يقرأ، وكان إذا أراد أن يعدّ القلم للكتابة حرّك شفتيه بالذكر حتى ينتهي من ذلك " .
قال الإمام ابن عقيل: "إني لا يحل لي أن أضيّع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا على الفراش، فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره. وإني لأجد من حرص على العلم وأنا في الثمانين من عمري أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة، وأنا أقصّر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك وتحسّيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، وإن أجلّ تحصيل عند العقلاء ـ بإجماع العلماء ـ هو الوقت، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص، فالتكاليف كثيرة، والأوقات خاطفة".
وقال الإمام ابن القيم : " إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها " . ورمضان مبارك لكم