حديث قدسي

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''قال الله تعالى: كذَّبني ابنُ آدم ولم أكُن له ذلك، وشتمني ولم يكُن له ذلك، فأمّا تكذيبُه إيَّاي، فقوله ''لن يُعيدَني كما بدأني''، وليس أوّل الخلقِ بأهونَ عليَّ من إعادته. وأمّا شتمه إيّاي، فقوله ''اتّخذَ الله ولداً''، وأنا الأحد الصّمد لم ألِدْ، ولم أُولَد، ولم يكُن لي كفؤاً أحد'' رواه البخاري. فقوله ''كذَّبني'' أي نَسَبَ إليّ الكذب، حيث أخبرته بأنّي أُعيدُه يوم القيامة، وهو يُنكر، ويُكذّبني في ذلك الإخبار. وقوله ''وشتمني'' أي وصفني بالنّقص. وقوله ''وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته'' أي إذا آمن بأنّي خلقته أوّل مرّة، وجب أن يؤمن بأنّي قادر على إعادة خلقه من جديد، لأنّ إعادة الخلق، في نظر العقلاء، أهونُ وأيسَر من بدئه. وقوله ''الصّمد'' والعرب تُسمّي أشرافها الصَّمد، قال أبو وائل: هو السيِّد الّذي انتهى سُؤدَدُه، والسؤدَد هو المجد والشّرف. وقوله ''كفؤاً أحد'' الكفء من المكافأة، وهي المساواة والمماثلة، أي لا يساويه سبحانه شيء في قوّة وجوده ولا في منزلته وقدْره، فلا شبيه ولا نظير ولا مثيل في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''قال الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأَت، ولا أُذُن سمِعَت، ولا خَطَرَ على قلب بشر'' رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد.

فقوله ''أعددتُ'' أي: هيَّأتُ. وقوله ''لعبادي الصّالحين'' أي: القائمين بما وجب عليهم من حقوق الحقِّ والخلق. وقوله ''ما لا عينٌ رأَت، ولا أُذُن سمِعَت، ولا خَطَرَ على قلب بشر'' أي: أنّ ما أعدَّه الله تعالى لعباده المتّقين في الجنّة من نعيم هو من حيث الحقيقة والواقعُ فوق تصوُّر عقولهم، وأبعد ممّا رأته أعيُنهم وسمعته آذانهم، بل هو فوق حدود تصوُّر كلّ عقل بشري مفكِّر ورؤية كلّ عين مبصرة وسماع كلّ أُذُن واعية..

عن أبي هِند الداري رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال الله تعالى: ''مَن لم يرض بقضائي، ولم يصبِر على بلائي، فليلتمِس رَبًّا سِوائي'' رواه الطبراني بسند ضعيف.
فقوله ''مَن لم يرض بقضائي'' الرِّضا ضد السَّخط، وجاء في دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ''اللّهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك''، وقول: الرضا بقضاء الله هو ثمرة الطمأنينة بالله، والطمأنينة بالله هي ثمرة الرِّضا بالله، والرّاضي عن الله لا يعترض على حكمه ولا يتسخّطه، وإنّما تكون حاله مع مولاه سبحانه. وقوله ''ولم يصبِر على بلائي'' أي: أظهر التذمُّر والتسخط ممّا ابتليته به ممّا لا يُوافق مراده ومحبَّته، وأعرض عنّي ونبذ حقّي عليه تسخُّطاً واستياءً. وقوله ''فليلتمِس رَبًّا سِوائي'' أي: فليطلب لنفسه ربّاً غيري، ولكن أنَّى له ذلك وما في الوجود ربٌّ سواي ولا معبود بحق غيري. فالصادق في عبوديته لله لا يعترض على مولاه، ولا يُخالف سبيل رضاه.

جزاك الله كل الخير

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال الله تعالى: ''إذا همَّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبتُها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا همَّ بسيِّئة ولم يعملها لم أكتُبها عليه، فإن عمِلها كتبتُها سيّئة واحدةً'' رواه البخاري ومسلم والترمذي.
فقوله ''إذا همَّ عبدي بحسنة''، أي: أرادها مصمِّماً عليها أو عازماً على فعلها. وقوله ''عبدي'' الإضافة فيه للتّشريف، وحَسْب المخلوق شرفاً أن ينسبه الخالق سبحانه إليه. وقوله ''ولم يعملها''، أي: لأمر قاهر عاقه عنها، كمرض أو حبس أو موت وفي نيته العزم على فعلها. وقوله ''كتبتُها له حسنة''، أي: بلا تضعيف. وقوله ''فإن عملها كتبتُها عشر حسنات''، أي: ضاعفت له الأجر. وقوله ''وإذا همَّ بسيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه''، وتُسمّى الخطيئة. وقوله ''ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتُها سيّئة واحدة''، هذا من تمام الفضل وكمال العذب.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله تعالى: ''إذا أحبَّ عبدي لقائي أحببتُ لقاءهُ، وإذا كرِه لقائي كرهتُ لقاءَه''، رواه مالك والبخاري ومسلم.

فقوله ''إذا أحبَّ عبدي لقائي'' أي: بأن عمِل عَمَل المحبِّ لمحبوبه عند لقائه، وذلك بامتثال الأوامر والنّواهي، فاستعدَّ بالأعمال الصّالحة للقاء وجه ربِّك الكريم. وقوله ''أحببتُ لقاءهُ'' أي: هيّأتُ له الإكرام العظيم كما يُهيِّئ المحبّ لمحبوبه الشيء العظيم إذا جاءه، قال بعض العلماء: محبَّة الله لعبده إرادته الخير له وهدايته إليه وإنعامه عليه. وقوله ''وإذا كره لقائي'' أي: بأن عمِل عمَل مَن يكره لقاء شخص، وذلك بارتكاب المعاصي وحبّه للدنيا وركونه إليها. وقوله ''كرهتُ لقاءهُ'' قال المازري: يُحمَل الحديث على كراهته سبحانه وتعالى الغفران له، وإرادته لإبعاده من رحمته.

إنك منور المنتدى

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''قال الله عزّ وجلّ: يُؤذيني ابن آدم يَسُبُّ الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقَلّب اللّيل والنّهار''.
الإنسان بسبِّه للدهر يرتكب جملة من المفاسد، منها أنّه سبَّ مَن ليس أهلاً للسب، فإن الدهر خلق مسخَّر من خلق الله، منقاد لأمره متذلّل لتسخيره، فسابُّه أولى بالذم والسب منه. ومنها أنّ سبّه قد يتضمّن الإشراك بالله جلّ وعلا، إذا اعتقد أنّ الدّهر يضرّ وينفع، وأنّه ظالم حين ضرّ مَن لا يستحق الضرّ، ورفع مَن لا يستحق الرّفعة، وحرم مَن ليس أهلاً للحرمان.

عن أبي أُمامة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''قال الله تعالى: أَحَبُّ ما تَعَبَّدَنِي بِه عبدي إليَّ النُّصْحُ لي'' رواه أحمد بسند حسن.

فقوله ''أَحَبُّ ما تَعَبَّدَنِي بِه عبدي إليَّ''، التعبُّد معناه التنسُّك، وتعبَّد الله العبد بالطاعة، أي استعبده، وتعبَّد المؤمن لله تذلَّل له وخضع، وتعبَّد الله بالصّلاة والصِّيام والذِّكر وتلاوة القرآن، أي جعلها مظاهر عبادته والتذلُّل له سبحانه. وقوله ''به''، الباء للاستعانة، والمعنى إن أحبَّ ما جعله عبدي سبيلاً لعبادتي، واتّخذه واسطةً لتحقيق خضوعه وتذلُّلِه لي. وقوله ''النُّصح لي''، أصل النُّصح الخلوص، ومعناه في الحديث نقيض الغشِّ، ويقال: نصحتُ له، أي أخلصتُ وصَدَقتُ، والنّصيحة اسم للمنصوح به.

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''قال رَبُّكم: لَو أنّ عبادي أطاعوني لأَسْقَيْتُهُم المَطَر باللّيل، ولأَطْلَعْتُ عليهِم الشّمس بالنّهار، ولمَا أسْمَعْتُهُم صوتَ الرَّعْد'' رواه أحمد بسند صحيح، والحاكم.
فقوله ''لَو أنّ عبادي أطاعوني''، الطاعة هي الانقياد الاختياري، أي لو أنّ عبادي انقادوا لي، فامتثلوا ما أرمتهم به، واجتنبوا ما نهيتُهم عنه. وقوله ''لأَسْقَيْتُهُم المَطَر باللّيل''، أي أنزلتُ عليهم المطر ليلاً، فلا يتأذَّون بنزوله، وجعلتُه سُقيَا رحمة، فلا يتضرّرون به ولا يُفسِد زروعهم ومنازلهم وأشياءهم. وقوله ''ولأَطْلَعْتُ عليهِم الشّمس بالنّهار''، فتنتفي عنهم المشقَّة الخاصّة بوجود المطر وعدم الشّمس بالنّهار. وقوله ''ولمَا أسْمَعْتُهُم صوتَ الرَّعْد''، هذا من رحمته سبحانه لعباده ولُطفه بهم، لأنّ صوت الرعد يُفزع النّفوس ويُرعب القلوب، لقوَّته وشدَّة وقعه

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''قال رَبُّكم: لَو أنّ عبادي أطاعوني لأَسْقَيْتُهُم المَطَر باللّيل، ولأَطْلَعْتُ عليهِم الشّمس بالنّهار، ولمَا أسْمَعْتُهُم صوتَ الرَّعْد'' رواه أحمد بسند صحيح، والحاكم.
فقوله ''لَو أنّ عبادي أطاعوني''، الطاعة هي الانقياد الاختياري، أي لو أنّ عبادي انقادوا لي، فامتثلوا ما أرمتهم به، واجتنبوا ما نهيتُهم عنه. وقوله ''لأَسْقَيْتُهُم المَطَر باللّيل''، أي أنزلتُ عليهم المطر ليلاً، فلا يتأذَّون بنزوله، وجعلتُه سُقيَا رحمة، فلا يتضرّرون به ولا يُفسِد زروعهم ومنازلهم وأشياءهم. وقوله ''ولأَطْلَعْتُ عليهِم الشّمس بالنّهار''، فتنتفي عنهم المشقَّة الخاصّة بوجود المطر وعدم الشّمس بالنّهار. وقوله ''ولمَا أسْمَعْتُهُم صوتَ الرَّعْد''، هذا من رحمته سبحانه لعباده ولُطفه بهم، لأنّ صوت الرعد يُفزع النّفوس ويُرعب القلوب، لقوَّته وشدَّة وقعه.

عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، عن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: ''قال الله تعالى: يا ابنَ آدَم صَلِّ ليَ أربَعَ ركعاتٍ مِن أوَّل النّهار أَكْفِكَ آخِرَه'' رواه الترمذي بسندٍ صحيح.
فقوله ''يا ابنَ آدَم'' نداء لكلّ فرد من أفراد المكلَّفين من بني آدم والجن. وقوله ''صَلِّ ليَ أربَعَ ركعاتٍ''، هي الفجر وسُنَّته، وقيل صلاة الضُّحى، والأوَّل أَوْلى لتقدُّمها في وقت الأداء على الضُّحى. وقوله ''أوّل النّهار''، النّهار الوقت الّذي ينتشر فيه الضوء، وهو في الشّرع من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس. وقوله ''أكْفِكَ آخِرَهُ''، أي أكفك همَّ طلب حوائجك من أمور دنياك، وأقيكَ شرَّ ما تتّقيه، وأَهديك إلى مصالحك في يومك كلِّه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ الله تعالى يقول: يا ابنَ آدَم تَفَرَّغْ لعبادتي أمْلأُ صَدْرَكَ غِنًى، وأَسُدَّ فَقْرَك، وإنْ لَم تَفْعَلْ ملأتُ

يَدَيْكَ شُغْلاً، ولَم أَسُدَّ فَقْرَك'' رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم.

فقوله ''تَفَرَّغْ لعبادتي'' أي: اترُك اشتغالَك بالدنيا، فما زاد على قدر كفايتك وكفاية عيالك، واشتغل بعبادتي. وقوله ''أمْلأُ صَدْرَكَ غِنًى'' أي: بالإيمان وبالقناعة والرِّضا بالرزق المقسوم وبالزُّهد بالدنيا وعدم التعلُّق بزهرتها الفانية. وقوله ''وأَسُدَّ فَقْرَك'' أي: أُصْلِح فقرك بأن أُرضيك به بحيث لا يحصل لك ضجر. وقوله ''وإنْ لَم تَفْعَلْ'' تهديد لمَن لم يتفرَّغ لعبادة الله وانشغل عنه بسواهن وجعل دنياه أكبر همِّه، ولم يُؤدِّ ما وجب عليه من حقِّ ربِّه. وقوله ''ملأتُ يَدَيْكَ شُغْلاً'' أي: جعلتُك مشغولاً بدُنياك جميع أوقاتك. وقوله ''ولَم أَسُدَّ فَقْرَك'' أي: تستمر فقير القلب مُنهمكاً في طلب الدنيا، وإن كنتَ غنياً من المال.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله تعالى: ''أحَبُّ عبادي إلّيَّ أعْجَلُهُم فِطْراً'' رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

فقوله ''أحَبُّ عبادي إلَيَّ'' أي: أكثـر عبادي فوزاً بشديد محبَّتي لهم، ومحبّة الله تعالى للعبد إنعامه عليه وإثابته له وإحسانه إليه. وقوله ''أعْجَلُهم فِطراً'' أي: أسرعُهم مُبادرة إلى الفطر بعد تحقُّق غروب الشّمس، لأنّ في ذلك تحقيق الاستجابة لأمر الله سبحانه، فكما أمرهم بالصّيام فأطاعوه، أمرهم بالإفطار فأجابوه، فكان ذلك تجسيداً لصدق إيمانهم به وتسليمهم له واستجابتهم لهديه. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند صيامه لا يُصلِّي صلاة المغرب حتّى يفطر ولو على شربة ماء. رواه أبو يعلى وابن خزيمة وابن حبّان في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ الله تعالى يقول: إنّ عبداً أصحَحتُ له جِسمَهُ، ووَسَّعْتُ عليه في معيشَتِه، تَمضي عليه خمسَةُ أعوامٍ لا يَفِدُ إليَّ لَمَحْرُومٌ'' رواه أبُو يعلى في مسنده وابن حِبّان بسند صحيح..

فقوله ''إنّ عبداً'' أي: مِن المكلَّفين، والوصف بالعبودية قائم في كلّ إنسان طائعاً كان أم عاصياً. وقوله ''أصحَحتُ له جِسمَهُ'' أي: أبرأته من المرض وجعلته صحيحاً معافًى قوياً صالحاً قادراً على القيام بالأعمال وأداء العبادات. وقوله ''ووَسَّعْتُ عليه في معيشَتِه'' أي زيادة على قدر حاجته بحيث يستطيع الحجَّ، والمراد ''معيشته'' ما يعاش به من طعام وشراب ونحوهما. وقوله ''تَمضي عليه خمسَةُ أعوامٍ'' أي: تمرُّ عليه خمس سنوات وهو صحيح الجسم واسع الرزق ثمّ لا يقصد بيتي الحرام بحجٍّ أو عُمرة لمحروم. وقوله ''لا يَفِدُ إليَّ'' أي لا يزور بيتي -وهو الكعبة- يعني لا يقصدها بنُسك. وقوله ''لَمَحْرُومٌ'' أي: من الخير الحاصل بفعل النُّسُك.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ الله تعالى يقول: إنّ عبداً أصحَحتُ له جِسمَهُ، ووَسَّعْتُ عليه في معيشَتِه، تَمضي عليه خمسَةُ أعوامٍ لا يَفِدُ إليَّ لَمَحْرُومٌ'' رواه أبُو يعلى في مسنده وابن حِبّان بسند صحيح..

فقوله ''إنّ عبداً'' أي: مِن المكلَّفين، والوصف بالعبودية قائم في كلّ إنسان طائعاً كان أم عاصياً. وقوله ''أصحَحتُ له جِسمَهُ'' أي: أبرأته من المرض وجعلته صحيحاً معافًى قوياً صالحاً قادراً على القيام بالأعمال وأداء العبادات. وقوله ''ووَسَّعْتُ عليه في معيشَتِه'' أي زيادة على قدر حاجته بحيث يستطيع الحجَّ، والمراد ''معيشته'' ما يعاش به من طعام وشراب ونحوهما. وقوله ''تَمضي عليه خمسَةُ أعوامٍ'' أي: تمرُّ عليه خمس سنوات وهو صحيح الجسم واسع الرزق ثمّ لا يقصد بيتي الحرام بحجٍّ أو عُمرة لمحروم. وقوله ''لا يَفِدُ إليَّ'' أي لا يزور بيتي -وهو الكعبة- يعني لا يقصدها بنُسك. وقوله ''لَمَحْرُومٌ'' أي: من الخير الحاصل بفعل النُّسُك.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله تعالى يقول: ''أنَا مع عبدي ما ذَكّرّني وتَحَرَّكَت بي شفتاهُ'' رواه أحمد وابن ماجه. فقوله ''أنَا مع عبدي'' أي: معه بالرّحمة والتوفيق والهداية. وقوله ''ما ذَكَرَني'' أي: مدَّة ذِكرِه لي، والذِّكر أعلى العبادات وأفضل القُربات. وقوله ''وتَحَرَّكَت بي شفتاهُ'' تأكيد لمعيَّتِه سبحانه وسرعتها إلى العبد الذَّاكِر وفوزه بها كلَّما ذكر الله. وليس المراد هنا أن الذِّكر لا يكون إلاّ باللِّسان، بل هو ضربان: قلبي ولساني. وذِكر اللّسان لا يتيسَّر للعبد في كلّ آن لانشغاله بألفاظ البيع والشراء وطلب الحاجات وأداء الواجبات، بخلاف الذِّكر القلبي الّذي يُتصوَّر انقطاعه عن المُلهيات ودوامُه في أوعية القلوب الّتي هي موضع الإيمان ومحلُّ نظر الرّحمن.

قال الله تعالى في الحديث القدسي: ''يا عبادي إنّي حرّمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم مُحرَّماً فلا تظالموا'' أخرجه مسلم وأحمد.
أصل الظلم هو الانتفاع بجهد الغير. فعندما تظلم واحداً، فهذا يعني أنّك تأخذ حقّه، وحقّه هو ما جاء به بكدِّه وتعبه وعرقه وتأخذه أنت بلا جهد أو عرق، ويتبع هذا أن يكون الظالم قوياً.
والظلم يكون إحدى الحالتين التاليتين: إما الانتفاع بثمرة جهد الغير من غير كدٍّ أو تعب، وإمّا أن تظلم لحساب شخص آخر. والباطل زائل وهو الّذي لا يدوم، فهو ذاهب، أمّا الحقّ، فهو الثابت الّذي لا يتغيّر، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {ولا تأكُلوا أموالَكُم بينَكُم بالباطل وتُدْلُوا بها إلى الحُكّام لتأكلوا فريقاً مِن أموال النّاس بالإثْمِ وأنْتُم تعلمون} البقرة .188 فلا تأكل بالباطل، أي لا تأكل ممّا يملكه غيرك إلاّ بحق أثبته الله بحُكم، فلا تسرق ولا تغتصب ولا تخطف ولا ترتشي ولا تخن الأمانة... إلخ.

عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ الله تعالى يقول لأهل الجنّة: يا أهلَ الجنّة، فيقولون: لبّيك ربَّنا وسعديك، فيقول: هل رضيتُم؟ فيقولون: وما لنَا لا نَرضى وقد أعطيتَنا ما لم تُعطِ أحدا مِن خَلقِك، فيقول: ألاَ أُعطيكم أفضَل مِن ذلك؟ فيقولون: يا ربُّ، وأيُّ شيء أفضَلُ مِن ذلك؟ فيقول: ''أُحِلُّ عليكم رِضواني، فلا أسْخَطُ عليكُم بعدَهُ أبدا'' رواه أحمد والشيخان والترمذي.

فقوله ''يا أهلَ الجنّة'' نداء تبشير وإكرام. وقوله ''فيقولون: لبّيك ربَّنا وسعديك'' لبّيك ربّنا: من التلبية وهي إجابة المنادي، وسعديك بمعنى الإسعاد وهو الإعانة. وقوله ''هل رضيتُم'' أي: بما صِرتُم إليه من النّعيم المقيم. وقوله ''فيقولون: وما لنَا لا نَرضى'': أقرّوا بالرِّضا بصيغة الاستفهام. وقوله ''وقد أعطيتَنا ما لم تُعطِ أحدا مِن خَلقِك'' أي: الّذين لم تُدخِلهُم الجنّة. وقوله ''ألاَ أُعطيكم أفضَل مِن ذلك؟'': ألاَ أداة عَرض تضمّنت معنى التّشويق والتّرغيب، وأفضل بمعنى زيادة الإكرام والإنعام. وقوله ''فيقولون: يا ربُّ، وأيُّ شيء أفضَلُ مِن ذلك؟''.

عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ الله تعالى يقول لأهل النّار عذاباً: لو أنّ لك ما في الأرض مِن شيء كُنتُ تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألْتُك ما هو أهون مِن هذا وأنتَ في صُلْبِ لآدم، أنْ لا تُشرِك بي، فأبَيْتَ إلاّ الشِّرك'' رواه البخاري ومسلم.
فقوله ''إنّ الله تعالى يقول لأهل النّار عذاباً'' يكون هذا يوم القيامة وعند الحساب. وقوله ''لو أنّ لك ما في الأرض مِن شيء كُنتُ تفتدي به'' هذا كشف عمّا يتمنّاه العبد من أهل النّار وهو في غمرة أهوال الموقف يوم الدِّين. وقوله ''كنتَ تفتدي به'' هذا استفهام حُذِفَت أداتُه وتقديره ''أكنتَ؟''، وفَداه وافتداه بمعنًى واحد، وهو أن يبذل مالاً ونحوه إلى من يطالبه بنفسه أو أيّ شيء آخر مقابل إطلاقه أو دفع الأذى عنه. وقوله ''قالَ: نعم'' جوابُ تَمنٍّ للخلاص والنّجاة من عذاب الله. وقوله ''فقد سألْتُك ما هو أهون مِن هذا'' طلبتُ منك وأمرتُك. وقوله ''وأنتَ في صُلْبِ لآدم'' أي: حين أخذتُ الميثاق، فمَن وَفَّى به بعد دخوله في الدنيا فهو مؤمن، ومَن لم يوفِّ به فهو كافر. وقوله ''فأبَيْتَ إلاّ الشِّرك'' أي: امتنعتَ من الإيمان إذ أخرجتُك إلى الدنيا واخترتَ الشِّرك.

عن أبي أُمامة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''قال الله تعالى: أَحَبُّ ما تَعَبَّدَنِي بِه عبدي إليَّ النُّصْحُ لي'' رواه أحمد بسند حسن.
فقوله ''أَحَبُّ ما تَعَبَّدَنِي بِه عبدي إليَّ''، التعبُّد معناه التنسُّك، وتعبَّد الله العبد بالطاعة، أي استعبده، وتعبَّد المؤمن لله تذلَّل له وخضع، وتعبَّد الله بالصّلاة والصِّيام والذِّكر وتلاوة القرآن، أي جعلها مظاهر عبادته والتذلُّل له سبحانه. وقوله ''به''، الباء للاستعانة، والمعنى إن أحبَّ ما جعله عبدي سبيلاً لعبادتي، واتّخذه واسطةً لتحقيق خضوعه وتذلُّلِه لي. وقوله ''النُّصح لي''، أصل النُّصح الخلوص، ومعناه في الحديث نقيض الغشِّ، ويقال: نصحتُ له، أي أخلصتُ وصَدَقتُ، والنّصيحة اسم للمنصوح به.

عن عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله تعالى: ''أنا خلقتُ الرّحم، وشقَقتُ لها اسماً من اسمي، فمَن وَصلها وصلْتُه، ومَن قطعها قطعتُهُ'' رواه أحمد والبخاري في الأدب وأبوداود والترمذي والحاكم. فقوله ''أنا الرّحمن ...'' الرّحمن صفة بُنيت على فَعلان، لأنّ معناه الكثـرة، وهو بناء من أبنية المبالغة، ويعني عند أهل اللّغة ذو الرّحمة التي لا غاية بعدها في الرّحمة، أو هي صفة لمَن وسعت رحمتُه كلَّ شيء أو هي صفة للمُنعِم بجلائل النِّعم، وكلّ هذه المعاني لا يكون إلاّ لله سبحانه. والرّحيم صفة لله سبحانه، ومعناه: المُنعم بدقائق النِّعم. وقوله ''أنَا خلقتُ الرَّحم'' الرحم هي القَرابة سواء قرُبَت أو بعُدت، وكلّ ما يتّصل بالإنسان نسباً من جهة أبيه أو أمِّه. و''وشققتُ لها اسماً'' وهو الرّحم، وقوله من ''اسمي'' وهو الرحيم. وقوله ''فمَن وصلها وصلتُه'' المراد بوَصلها العطف عليها ورعايتها وتفقُّد أحوالها وقضاء حاجتها ومواساتها. وقوله ''ومن قطعها قطعتُه'' هذا تهديد بسوء العقاب لمَن قطع رَحمَه، ولم يؤدِّ حقَّها من الوصل حال قدرته عليه.